Wednesday, 29 December 2010

ذات مرة في المقهى - قصة

كان الوقت نحو الساعة الخامسة عصرا ذات سبت خريفي بعيد,خرج هو من مسكنه بعد أن أنهى محادثة مكررة و مملة مع زوجته,كاد أن يصاب بنوبة قلبية عندما وجدها نسيت مصباح الحمام مفتوحا,أغلقه في صمت فزوجته بوجه خاص لا تقبل انتقاداته و كذلك تتكلم كثيرا,أغلق باب الشقة,نزل الدرج ببطء,لم ينس أن يغلق باب المنزل الخارجي جيدا و لم ينس أن يعلن استياءه بأن هز رأسه يمينا و يسارا للا أحد حيث لم يجد البواب في مكانه المعتاد:يدخن على عتبات العقار الخارجية حيث يستلذ صاحبنا بلعن العادة الذميمة التي تفني المال و العمر و ينتقد البواب و مظهره الذي لا بد لا يعجبه,كانت حياته بعد أن أحيل للتقاعد دائرة مفرغة لذلك كانت أمتع اللحظات عندما يخرج بعد غداءه ليجلس على مقهى من مقاهي وسط البلد,لم يكن من رواد المقاهي أبدا و كان يعلنها أن المقاهي لا فائدة منها و روادها أغبياء,لكن الملل الشديد بعد المعاش كان أقوى من إيمانه القوي بمبادئه,لذلك جعل يتردد على المقهى,كان يجلس وحيدا دائما,لذلك كان يغير من المقهى كل فترة من الزمن,مر من أمام بائعة للخضر كان يمر بها يوميا ألقى السلام عليها و كعادتها لم ترد,عندما تكرر ذلك منها تكلم معها فأخبرته أنها تسرح كثيرا و تفكر في ابنها الذي سافر منذ عدة سنوات و انقطعت أخباره,واصل الطريق للمقهى الجديد الذي سيجربه للمرة الأولى,جلس في البداية ساهما ينظر للا شيء ثم بدأ عادته في انتقاد كل شيء حوله لا يسير وفقا لما يراه,كان المقهى في شارع جانبي لا يعد مظهره بشئ أو بأحداث لها أي قيمة,كان جماعة من ثلاث شباب يجلسون أمامه و يتبادلون حديثا لم يجتذب فضوله-كان هو يجلس فوق كرسي وضع فوق الرصيف و على يمينه كرسي فوقه شال نسائي و حقيبة نسائية متروكين بجانب كتاب مغلق ذو غلاف أزرق,بينما يجلس على يساره فتى يضع سماعات في أذنية,شعر رجلنا هنا بالإهانة فهذا الشاب بالنسبة له لا يقهر-و كأنه ارتدى السماعات فقط ليمنع رجلنا من توجيه التعليقات إليه ,بعد قليل انتبه أن هناك امرأة جلست بجانبه ووضعت الكتاب ذو الغلاف الأزرق فوق الطقطوقة التي أمامها,بدأ ينسى الشاب و طلب قهوة سكرها مضبوط كي يدعي أنها زيادة فيما بعد,كان الكتاب ذو الغلاف الأزرق مقتحما,نظر إليه صاحبنا نظرة طويلة,كشر صاحبنا عندما قرأ العنوان,و رفع رأسه نحو المرأة,كانت فتاة صغيرة السن نسبيا بالنسبة لكتاب لم يستطع-و هو الرجل الستيني-فهم عنوانه عوضا عن الاسم الأغرب من العنوان,أخرج نظارته الطبية ووضعها فوق أنفه,كان يشعر بالحرج حيث الفتاة لم تكن ترتدي نظارة طبية,التفت إليها و ارتفع حاجباه بشدة لما رآه,كان المشهد الذي رآه يمنع الحروف من أن تتكون على لسانه,كانت الفتاة تمسك في يمينها سيجارة تعب منها كل فترة,بينما يسراها تكتب في دفتر مفتوح,كانت قهوته قد وصلت لكنه لم يكن ذا مزاج رائق ليعاتب القهوجي الشاب,امتدت يده إلى كوب الماء كأنه يستعد للمعركة الكلامية التي سيواجه بها الفتاة التي تجرأت أت تكتب و تدخن و تترك كتابها أمامه,جرع الماء بسرعه رغم أن الكوب كان متسخا حقيقة لا مبالغة,استأذن منها الرجل و التقط الكتاب,قرأ فيه قليلا ثم وضعه في قرف,أخبرها أن هذا كتاب لا فائدة منه إطلاقا و أن نقودها ذهبت هباء و أن التدخين لا يناسب الفتيات و كان وجهه شديد الاحمرار بلا سبب منطقي,ارتعبت الفتاة حتى إنها رمت السيجارة بسرعة,كادت تفتح فمها لترد إلا أن صاحبنا ترك المكان و رحل دون حتى أن يشرب قهوته-لكنه ترك نقودا للقهوجي-في طريق العودة نسي أن يلقي التحية على المرأة بائعة الخضر و لم ينتقد البواب,دخل الشقة بسرعة,غسل وجهه بالماء البارد,نسي أن يغلق مصباح الحمام,دخل لينام.\

في الثالثة صباحا استيقظت الزوجة على ضجة في خارج غرفة النوم,فتحت المصباح,خرجت و عيونها نصف مغلقة,وجدت زوجها يمسك بقلم رصاص و يكتب في أوراق أمامه,ووجدته للمرة الأولى يدخن سيجارة,بل إن مصباح الحمام كان مفتوحاً!

1 comment:

مدونات من أجل التغير said...

الهروب من كل ما كان من كل ما أثقلنا نحن
لا أدري أجزم انه ليس حلا ولكننا نحتاجه من فترة لأخرى لانسانيتنا لا اكثر ولا أقل
نهاية أدعوك لزيارة تجمعنا مدونات من أجل التغير
دمت بكل خير