Friday, 12 December 2008
هل تتكلم معي؟-الجزء الثاني
ضغطت زر اطفاء السيارة "الكونتاكت" و سحبت الكارت " بديل المفتاح " و أغلقت السيارة تاركا البشبوري و الأفكار التي تربطني به,خلف ظهري
لم تكن لدي فكرة محددة عن الكيفية التي سأبدأ بها هجومي شبه الانتحاري في هذاالحي التي لم يعرف عن أهله يوما الرحمة مع الصديق فكيف بمجنون مثلي
كانت سيطرة البشبوري على أفكاري شبه كاملة ربما كان هو مخلص البشرية من التآكل الذاتي, كل كلماته الرائعة التي يصدع بها رأسي,كل أفكاره العبثية الملتوية التي تشعرك أن الذي يمتلكها إما أنه لا يعي شيئا أو أنه قد امتلك سر أسرار العالم و عن ذلك المفهوم بالذات حدثني البشبوري مرة و نحن "نبرم" بسيارتي الأنيقة,
كان البشبوري يملك من الثقافة الكثير و قد سمحت لي علاقتي البسيطة معه بأن أنهل الكثير:
كنا يومها نسير ببطء يسمح لنا بتأمل المارة و التندر عليهم "من هوايات البشبوري العديدة" في وسط البلد و كان هناك شابا قد "سقط" بنطاله و "شايف نفسه" وهذا الطراز بالذات يكرهه البشبوري جدا بل إنه يرى ضرورة تخليص العالم من هذه النوعية,كان البشبوري يومها مندمجا معي في حديث طويل حول نظرة الإنسان للحياة و كيف تصنع عالمك:
- ما هو يا دوك لو كل واحد ابن "….." بص للدنيا صح هتمشي معاه صح, لو بصيت للعالم على إنه بيضاوي الشكل…صدقني هيكون هيبصلك بنفس الصورة لو شايفه جنينه و لونه بمبي…..
ثم تبع ذلك بخروج مفاجيء من شباك السيارة و قدم قائمة متميزة من الشتائم للفتى المسكين,كل هذه الشتائم كانت تدور حول حياة أمه الليلية……
- هيكون بمبي معاك,يمكن تعتبرني بهرتل أو ضارب حاجة بس صدقني دي الحقيقة يمكن كل واحد وصل لمرحلتي في الضرب عرف الحقيقة دي!!!!
- إيه الفايدة من وجودك إنتا مثلا؟؟؟؟؟
- أنا طبيب ناجح و قدامي الحياة....
- ناجح دا يبقى أبوك , اما الحياة بقى: فا أنا بشوفها أكبر "...." في الكون,و ةلأني ببص لها على هذا الأساس فهي بتعاملني على إني "...." و إنتا يا كبير أكتر واحد عارف إن أنا "...."
- ............
لا يمكنك أن لا تحترم رجل يعامل الحياة على أنها "....."!!!!و اسألني أنا,لقد عاملتها على أنها ملكة فماذا جنيت؟؟؟؟ لم أجن سوى التجاهل التام و معاملتي كعبد لها!!!!
نعم حققت الكثير و ربما اعتبرت نفسي أفضل منه لكن ما الثمن؟ إنه صحتي و عمري و شبابي كل ما هنالك أننا:
نعمل بوظائف لا نحبها لنشتري أشياء لا نحتاج إليها حقا!!
كان المطر ينهمر كأن هذه أول مرة تسقط فيها أمطار, لذا قمت بتثبيت غطاء الرأس الذي هو جزء من المعطف على رأسي و لكي يعطيني مزيدا من الرهبة و الغموض,
كانت شفرة المشرط في يدي اليسرى و اليد في يدي اليمنى:
قمت بادخال اليد في الشفرة و "دككتها" و حرصت أت تظل الشفرة نظيفة في غلافها المعقم و خبأته في جيب المعطف......
وقفت في مدخل "السايبر" وقد اشتدت وطأة الأمطار بالخارج حتى تكونت بركة صغيرة أمام الدكان,
-لا مؤاخذة يا كابتن انا بس تهت و أنا مش من هنا ممكن تقولي إزاي أطلع عل الدائري.....
كان الطريق الذي أرغب بالوصول إليه قريب و يعرفه أي حمار لديه ارتجاج بالمخ.......
و من حسن حظي أن الفتى "الهش" كان قد بدل مقعدة و جلس بحيث يعطيني جانبه الأيسر و يبدو أنه يصلح جهاز كومبيوتر "سقط" نظام تشغيله و بدأ الفتى في تشغيله على الوضع الآمن,
-ثانيه واحدة يا باشمهندس و هكون معاك!!!!
-لا خد راحتك أنا مش مستعجل...
استندت على المكتب الذي يستقر فوقه جهاز الكمبيوتر "الماستر" و قد انبعثت في أنحاء السايبر ألحان أغنية لا أعرف ما المقصود منها سوى أن المغنية "و التي أظن أن اسمها حنان" تطمئن المستمع بلا سبب مقنع و كأن المستمع الذي "في الغالب" لا يمتلك شقة أو وظيفة أو دخل ثابت أو حتى حلم و رؤية لمستقبله مع فتاة أحلامه التي لا يمكن أن تكون بكامل قواها العقلية لو أنها قبلت متشرد يجلس في سايبر مطمئنا و منتظرا شيء ما....
قام الفتى من مقعده و تقدم نحوي فاعتدلت و حرصت أن أكون أول من يصل للمدخل الذي هو عبارة عن بوابة معدنيية تغلق بسحبها لأسفل كبوابات المخازن,
-أيوه يا باشا معاك هو حضرتك قلتلي عايز مين بالظبط؟؟
نظرت إليه و قد وضغت يداي في جيب المعطف و تأكدت من وجود المبضع الطبي,
-أنا كنت بزور خالتي في "....." و بعدين دخلت دخلة غلط فتهت و الدنيا مطر و ليل بقى ,يا ريت تدلني عال الدائري
-آآه , بسيطة يا باشا إنتا هتاخد يمينك.....هنا كان علي أن أنتهز الفرصة و إلا فلأذهب إلى الجحيم:
أمسكت برأس الفتى الحليقة و أرجعتها بكل قوتي للخلف لتصطدم بالجدار بعنف,
ثم عاجلته بركبتي في معدته,حتى انطلقت منه شهقة قوية,أمسكت ياقته بكل قوتي و حولت وضعه بحيث يصبح ظهرة مواهجا لداخل المكان,
قمت بوضع قدمي اليسرى خلف كعبه "وتر أخيل" ثم دفعت صدره بكل قوتي "هذه الطريقة تنجح دائما إلا لو كان لاعبا للجمباز,
سقط المسكين على ظهره غير عالم بما حدث و لا ما سيحدث!!!
كانت سقطته قاسية حيث اصطدمت رأسه بحافة المكتب,
أظنه الآن يفكر لم قرر أن يجلس وحده في هذه الليلة ,
إنه الآن يعض أصابع الخيبة أنه لم يذهب للعب الطاولة مع صديقه وليد عبى مقهى عم حسنين,
إنه لا يعلم أي شيء,كل ما فعله هو أنه اتخذ قرار و عليه أن يعيش نتيجته ربما قراره كان عاديا أو صائبا في نظره لكن "كما يقول البشبوري" قد وضعني القدر في طريقه هذه الليلة لأغير مسار حياته!!!1
أنزلت الباب و بهذا أكون قد أغلقت المدخل تماما,قام الفتى من سقطته ,
واتجه بنظرة خاطفة لهاتفه النقال الذي استقر فوق المكتب و في عينيه اللتين امتلأتا بالدموع نظرة من يتوقع شيء ليس رقيقا على الإطلاق,
-إنتا عاوز مني إيه يا بيه لأ دا.......
كان قد قام بالشيء المتوقع و قفز باتجاه هاتفه بحركة خاطفة لا تتناسب مع رأسه الذي ضرب بشده و بدأ ينزف,,,
يقول توماس فريدمان:"اقتل كل أسراك"
إذا أصيب الفتى بارتجاج في المخ أو انفجار في الشريان على جانب رأسه المعاكس لاتجاه الارتطام الفظيع لجانب رأسه بحافة المكتب فتلك مشكلة نقص شديد في الحكمة و صواب الرأي!!!!
كان الآن يقف عند المدخل تماما, وقد بدأ ينظر للطريق و يشير بيده على الاتجاهات ثم نظر لي و كأنه يتأكد من فهمي لما يقول...
رفعت الفتى المسكين فوق المكتب "كان قد خسر سن من أسنانه الأمامية من إثر الارتطام" بعد أن أزحت شاشة الكومبيوتر المهولة والتي سقطت فوق الأرض,
قمت بوضعه فوق ظهره على المكتب بحيث تتدلى رأسه للخلف و عنقه في مواجهتي تماما,
بعد أن تأكدت أن ساقيه لن تغدران بي,صعدت بركبتي فوقه بحيث تكبل ساقي رقبته تماما,
هذا الوضع يجعله غير واع لما أفعله و لا يرى و جهي,
إنه يحدق في الجدار و قد شعر بالشيء المعدني الحاد يتلمس رقبته,إنه يبطيء من حركة ذراعيه و يبدأ في النظر للأمور بحكمة,الآن فقط بدأ يعلم أنا حركته المفاجئة التالية قد تودي بحياته,الآن فقط و للمرة الأولى في حياته البائسة يعلم أن قراره التالي سيؤثر على مستقبله,لم يكن يعلم أي شيء فقط يعلم بشيء حاد كموسى الحلاقة يلتصق بوريده الودجي الذي انتفخ ليعلن أن وضعية جسده تخالف قانون الجاذبية إلى حد ما,
يشعر بطعم الدم ينتشر في فمه, يرى اللون الأحمر في عينيه و أرى الدم قد اختلط بالعرق و الدموع و الأنسجة الميته ذات اللون الأسود في مزيج خرافي لن تصدقه ما لم تره,كان اللحم فوق خده قد أصبح رقيقا جدا و انتهى الجلد الذي يغطي عظمة الخد.....
-إنت هتمووت دلوقتي!!!!!!
لم يملك القوة حتى للرد, يبدواأنه أدرك أن لا فائدة من السؤال!!!
-إنت في كلية إيه.؟؟؟
-أداب........ أداب انجلش
-و ليه منتاش في كليتك بكره مش إحنا في أيام الامتحانات برده يا "...."
-..........
-عالعمووم إنت هتموت دلوقتي....كان نفسك تعمل إيه قبل ما تموت,يعني لو كنت عشت كمان سنة مثلا كان نفسك تعمل إيه؟؟؟؟
-أنا مش عايز أموت لو....
-إنت ميت خلاص و أنا ملك الموت يا "....." أنا بس عايز أعرف إنتا إيه كان معنى حياتك اللي ملهاش معنى
-كان نفسي أتجوز.....
انهمرت دموع من عينيه و امتزجت بالدمالذي بدأ يلون صدره باللون الأحمر....
-كان نفسي يكون ليا بيت,و ولاد,كنت عايز أبقى أستاذ إنجليزي و أحقق أحلامي
أنا نفسي أعيش!!!!!خد كل اللي إنتا عايزه بس أرجوك!!!
-يا حبيب مامتك أنت هتموت فعلا,أصلا إنتا كنت ميت إنتا فاكر إن دي حياة اللي كنت عايشها؟؟؟؟
إنتا ليه مش بتذاكر دوقتي؟؟؟؟
-أنا باس السنة دي.....
-بص يا ابن "....." أنامش جاي أسمع حجج أو أقدملك حلول,,أنا جاي أقولك إن دي حياتك مش فلم أمريكاني , دي مش هزار إنتا فعلا هتموووت في يوم من الأيام لازم كنت تبقى عارف كدا كويس لازم تعيش كل يوم كأنه الأخير,لازم تعمل كل حاجة كان نفسك تعملها قبل ما تموت بس يا خسارة:
إن هذه حياتك و ليست ندوة مفتوحة للمناقشة
الموت بعد:خمسه...أربعة...تلاته...اتنين
,باي باي يا "...."
مررت المبضع الطبي بكل خفة فوق رقبته حيث يترك علامة غائرة و لا يسبب له نزيفا حتى الموت ,لكنه بالطبع لا يعلم ذلك كل ما يظنه هو أنه ينزف....حتى الموت!!!!
قمت من فوق الفتى بسرعة تاركا إياه يحاول إيقاف النزيف و الألم الحارق الذي سببه الجرح الذي راعيت أن يترك أثرا بعد الخياطه,
رفعت الباب بسرعة و انحنيت بجسدي لأخرج للشارع الذي استقبلني بأمطار غزيرة,لم أكن قد رفعت الباب كله حتى أستطيع بعد ذلك إنزاله,و وضع القفل عليه...
ركضت إلى سيارتي مسرعا و انطلقت بها لا أنوي على مكان معين,
كل ما أعلمه أن هذا الفتى بوجهه المهشم أصبح يرى الحياة بمنظور مختلف, أصبح يمتلك خبرة أكبر من البشبوري نفسه هذا الفتى أصبح اليوم رجلا و هو لا يدري!!!!
إن شطائر الفول و الطعمية التي سيتناولها غدا ستصبح ألذ من كل الأطباق التي تذوقتها أنا و "في الغالب" لن يسمع عنها هو طوال ما تبقى من عمره,ستكون أفضل "بالتأكيد" من وجبة البشبوري "الملغمة" لن يرى العالم كما يراه الآن,سيشعر ا نجاته اليوم معجزة تستحق الشكر و التقدير, سيشعر بالهواء على وجهة و يشكر ربه على كل نعمة أعطاها إياه,بعد هذا اليوم:
كلما تقاعس عن واجبه نحو حياته فسيمس الجرح الغائر على رقبته و يعود لعمله في جد,,,,سيصبح هذا الفتى شيء ما!!!!
و سيشكرني دوما على ما فعلت!!!!!
رغم أنني.........لا شيء
حتى الآن!!!!!!!!
Subscribe to:
Posts (Atom)