Friday, 23 January 2009

حزين ساعة الفرح-قصة قصيرة


ارتطمت قطرة المطر على زجاج النافذة المغلقة لتنضم لمن سبقها من قطرات و لتمتزج مع غيرها و تكون أنهارا صغيرة تشبه في تكوينها و تناسق شكلها لوحة من أعظم آيات الفن التشكيلي,خاصة و قد بدت من ورائها صفحة النيل غاية في الروعة و الجمال,
حملق الطفل الصغير في تلك القطرة الصغيرة التي طالما تساءل عن كنهها و من أين تأتي و لماذا تسقط و كيف تسقط, طالما تراءى له النيل وحيدا لا حبيب له و لا أنيس و خاصة أن رحلته الطويلة تستغرق الكثير,لذا كان يجيب عن سؤاله أن المطر ما هو إلا لقاء بين السماء و النيل فهما دائما ما يرقبان بعضهما في النهار و الليل و لا مجال للقاء أو كلام أو أي شيء سوى نظرات رغم أن كلا منهما له نفس اللون,فما النهر سوى انعكاس لصفحة السماء و ليس سوى قطرات مياه تجمعت في مكان آخر بعيد بعد أن سقطت من السماء فكلا منهما من نفس الأصل و نفس الطبيعة فما لون السماء الأزرق إلا بسبب بخار الماء هكذا علموه في الجغرافيا و هكذا قالوا له,
هكذا فكر الصغير و هو يتأمل النافذة التي امتدت لتصير هي الجدار لقاعة الاحتفالات التي يقام بها زفاف اخته الوحيدة على عروسها,كانت تلك الأفكار تدور بخلده وهو وحيد قد آثر أن يخلو بنفسه بعيدا عن الآخرين ليس لأنه انطوائي لا يستمتع باللعب و اللهو مع أترابه و لا لأنه يمل من الكبار بل لأنه بدأ يشعر أن حياته لن تكون كما كانت في السنين السابقة بل أخذ إحساس خانق بالوحشة يخيم على صدره و يملأ جوانحه,لم يعرف أبواه منذ ولد بل كان دوما ما يشعر أن لا أب له فأباه تقريبا لا يراه و ليست أمه بأفضل حالا, فكان لزاما أن تتكفل أخته الكبرى بهذين الدورين في حياته و هكذا قد بدا عليه الامتعاض و الوحشة طوال الأسبوع و رغب في أن لا يحضر الفرح الكبير رغم أنها ستكون المرة الأولى التي يجرب فيها سترته الأولى و التي فاخر بها أصدقاءه طوال الشهر الماضي,

كان قد الصق وجهة بالنافذة و بلغت مسامعه أصوات العازفين و هم يزفون العروسين و قد أحاط بهما الأهل و الأصدقاء و آخرين,لم يشأ أن يكون هناك في تلك اللحظات فهي بالنسبة له كجنازة لمن آنسته و كان لها مؤنس تلك الضربات المتتالية على الدفوف ليست سوى القدر قد أراد ان يعلن البداية الحقيقية للمعركة التي هي الحياة,
كل ما دار و قتها هو صوت الطبول الذي امتزج في غرابة مع احساسه بأن الوقت قد توقف و أن الموكب الفخم يتهادى في بطء غريب ,تحامل على نفسه ليشارك العائلتين الحدث الكبير,
استحو عليه فكرة أن الوقت قد توقف بل أنه لم يعد يسمع صوتا للطبول أو وقعها المنتظم كل شيء صمت كل المارين قد توقفت حركاتهم حتى أمه و تلك القطرات من الدموع التي انسابت من خدها بدت و كأنها قد تجمدت,بدا أباه و قد فتح فاه ليقول شيء ما و ارتسمت فوق شفتيه ابتسامة ما و كأنما قد نحت على هذه الهيئة منذ الأزل,رأى العازفين و قد توقف كل منهم في مكانه و قد تجمد كل شيء كل الأصوات توقفت كل شيء ما عداه بسترته السوداء و رباط عنقه الذي يمنعه من أخذ أنفاسه و كأنه يعبر عن حقيقة يحسها و لم يبق سوى صوت المطر اللذي يهطل في غزارة,يهطل و معه النذير بالبرودة و الصقيع, بالوحدة و الوحشة,
لكنه عاد ليرى الأمر على حقيقته إن الذي تنتظره الحياة و يحتفي به المطر ليس هو فهو لا يزال كالطير الحر الذي يحلق عاليا إنها أخته من يستحق أن يخاف عليها من برودة الشتاء هي التي كان يرعاها و ليست من رعته هو الذي يفرح لأنه الآن المسئول عن حياته و المقرر لها كيف ستكون,و ما أبواه بمهملين له بل هما رأيا فيه رجلا قادر على حمل المسئولية و صنع حياته
ارتسمت على وجهة ابتسامة و شرع يصفق بكل قوته فقد تذكر معه الحلم بالاخضرار و تفتح الزهور و الربيع, و أن البرودة و الشتاء مهما طالا فلابد منهما ليخرج الجمال و أزهار الياسمين و اللوز,
بدأ يصفق بكل قوته و عادت الطبول تدق,أكملت المرأة الممتلئة زغرودتها التي لم يسمع بدايتها, نزلت الدمعة من عيني أمه و أكمل أباه كلامه,جذب فستان أخته الأبيض و قال لها:
- مبروك!!!!!!!!!!!!



تمت