قصيدة القاريء
الحمق والضلال والإثم والشّح
تحتل نفوسنا وتجهد جسومنا
ونحن نغذي النّدم فينا
كما يغذي المتسوّل الطفيليات التي تتغذى من دمه
آثامنا عنيدة وندمنا جبان
ونحن ندفع غالياً ثمن اعترافاتنا
ونخوض طريق الوحل مغتبطين
ونعتقد أننا بالدموع ندفع ثمن أخطائنا
وعلى وسادة الشر يهدهد الشيطان روحنا المسحورة
ويجتث من نفوسنا معدن الإرادة النفيس
ويمسك بالخيوط التي تحركنا نحو ما يُعاف
من المغريات. وفي كل يوم نهبط
لنقترب خطوة من جهنم دون تقزّز
عبر ظلمات نتنة.
وكالفاسق المسكين
تختلس المتع الخفيّة ونحن نعبر الحياة
ونعتصرها عصر برتقالة ذابلة
وتعربد بأدمغتنا حشود الشياطين
كالملايين من الديدان المتراصّة
وعندما نستنشق الهواء يتسلل الموت إلى صدورنا
كنهر خفيّ يطلق أنّاته المجنونة
فإذا كان الاغتصاب والسم والحرائق
والخنجر لم تنسج بعد شبكة مصائرنا
برسومها المستحبة المثيرة
فلأننا واأسفاه لم نبلغ من الجرأة ما يكفي
وبين كل الفهود والعقارب والسعادين وبنات آوى
والعقبان والأفاعي ةالكلاب
وكل الوحوش التي تزمجر وتدمدم وتزحف
داخل نفوسنا الآسنة الوضيعة
هناك واحد هو أشدّها دمامة وخبثاً ونجاسة
وهو, وإنْ كان قليل الحراك ضعيف الصوت
مستعدّ بجولة واحدة أن يصنع من الأرض أنقاضاً
وبتثاؤبة واحدة أن يبتلع العالم
إنه الضجر الذي يحلم بالمشنقة وهو يدخّن نرجيلته
و في عينيه تلتمع دمعة لا إرادية
أنت تعرفه أيها القارئ, هذا الغول الناعم
أيها القارئ المرائي ـ يا شبيهي ـ يا أخي.
*****
من قصيدة محادثة
أيتها السماء الخريفية الجميلة الصافية الوردية
إن الحزن في نفسي يتصاعد كمدّ البحر
ويترك عند انحساره على شفتيّ المرّتين
ذكرى مُحرقة لطعم وحله المرّ
عبثاً تنزلق يدك على صدري المبتهج
فما تبحث عنه يا صديقي هو مكان خرب
دمره ظفر وناب امرأة متوحشة
فلا تبحثي عن قلبي : لقد التهمته الوحوش
****
من نشيد الخريف
سنغوص قريباً في الظلمات الباردة
فوداعاً يا تلألؤ أضواء أيام الصيف القصيرة
إني لأسمع من الآن سقوط الحطب على البلاط
كأنه إيقاع أنغام جنائزية
سيتغلغل الشتاء كله في كياني
غضب, حقد, هول, اشغال شاقة
وكالشمس في جحيمها القطبي
سيكون قلبي كتلة حمراء من جليد
صوت كل حطبة تسقط يشعرني بقشعريرة
وصدى بناء المشنقة لن يكون أقوى
فكري يشبه البرج الذي ينهار
تحت ضربات قرون تيس هائل لا يعرف التعب
يخيل لي وهذا القرع الرتيب يهدهدني
أنهم يغلقون مسرعين بالمسامير نعشاً في مكان ما لمن ؟
بالأمس كان الصيف واليوم جاء الخريف
هذه الضجة الخفية تدق كأجراس الرحيل.
أحب في عينيك الواسعتين أيتها الجميلة هذا النور المخضوضر
لكن كل شيء في فمي مرّ المذاق
لا شيء ! لا حبّك ولا غرفتك لا موقدك
كلها لا تساوي في نظري
الشمس المتلألئة على البحر
ورغم ذلك أحبيني يا ذات القلب الحنون
كوني لي أماً على الرغم من خبثي وعقوقي
وسواء كنت عشيقة أم شقيقة
كوني الحلاوة السريعة الزوال
لخريف مجيد وشمس غاربة
المهمة قصيرة الامد فالقبر ينتظرني شَرِهاً
آه دعيني ألقي بجبهتي على ركبتيك
لأتذوق الشعاع الشاحب الناعم لآخر الخريف
وأنا أتحرق ندماً على الصيف الناصع المحرق
عيناك الصافيتان كالكريستال تقولان لي
أيها العاشق الغريب الأطوار
ما هي مزيتي في نظرك ؟
كوني فاتنة والزمي الصمت
فقلبي الذي يثيره كل شيء
ما خلا براءة الوحش القديم
لا يود إطلاعك على سرّه الجهنمي
ولا على أسطورته السوداء المكتوبة باللهب
أيتها المرأة التي تدعوني يداها المهدهدتان للنوم
إني أكره الوجد ويوجعني الفكر
دعينا نتحاب في هدوء
فالحب في كوخه المظلم الآمن
يوتر قوسه المشؤومة
وأنا عليم بذخائر مسالحه القديمة
إنها الجريمة والعرب والجنون ـ يا زهرتي الشاحبة
ألست مثلي شمساً خريفية
يا لؤلؤتي التي لا أبرد ولا أشدّ منها بياضاً
و أخيرا:
أنا مقبرة عافها القمر, يسعى فيها
كما يسعى الندم دود طويل ينقضّ دائماً بنهم
على الأعزاء من أمواتي
أنا بهو قديم تملؤه الزهور الذابلة
تسكنه أكداس من الأزياء التي فات زمانها
وتستنشق فيه عبير حق مفتوح
رسوم الباستيل الشاكية
ولوحات (بوشيه) الشاحبة
لا شيء يعادل في الطول, الأيام المتعثرة
عندما يرزح تحت ركام ثقيل من ثلوج السنين,
الضجر تلك الثمرة المُرّة لللامبالاة الكئيبة
ليأخذ أبعاداً تجعله أبدياً
فيا أيتها المادة الحية لم تعودي
سوى صخرة يحيطها رُعب غامض
1 comment:
Habacuc was here. The poets will live 4ever.
Post a Comment