"زهقت من الزهق"
دارت هذه العبارة برأسه مرارا............لكنه في هذا اليوم على وجه الخصوص لم يذكرها:
جلس وحده في العتمة على الكرسي الخشبي بيده سيجارة,كان قد اتخذ قرارا بالإقلاع عن التدخين ثم اقتنع أخيرا أن لا فارق,
ارتشف رشفة من كأس الماء الذي يحمله ثم ومض في رأسه خاطر بأن الماء عذب لأنه بلا طعم أو لون’إن ذلك تفرد يختص به الماء نفسه ينبع تميزه من افتقاده الهدف و القيمة,تلك قيمته و ذاك هدفه,
نفث دخان سيجارته الذي لا يراه,لكنه يعشق الدخين في الظلام,
كان ينتظر شيئا ما منذ أمد بعيد كان ينتظر و لا يزال,
قرر فجأة أن يثور على واقعه الغبي,
أطفأ السيجارة,وقف و أصلح من ملابسه في الظلام,
لم يدر لم قام بذلك فهو طوال عمره يعيش في ذلك الظلام’
لم ير ملابسه يوما و لم يختر ألوانها
بل لم يعرف الألوان,
و لم يذق سوى الماء,
اتجه يتحسس جدران الغرفة عله يجد مفتاح النور,
لم يجده
جلس فوق الكرسي مرة أخرى,
شعر بغضب شديد,
أحس بمدى الضيق الذي يحيا فيه
مدى غباوة و قسوة تلك الحياة التي يحياها
كانت حياته في تلك الغرفة الحقيرة المظلمة أبدا,
كانت هوايته الوحيدة بحكم الظلام المغرق,
هو تأمل الأخرين من تلك النافذة الوحيدة,
يجلس فوق كرسيه الخشبي
يتأمل العالم من نافذة واحدة,
لم ير يوما غرفته
لم يقس يوما جمالها أو اهتم بتنظيفها أو تجديدها
ليس ذلك لضعف فيه,بل لأنه طوال تلك السنين الكئيبة,
كان مشغولا بالآخرين و بغرفهم و حياتهم,
اهتم بجيران له لم يخترهم بل فرضوا عليه كاسمه,
احب جارته لا لأنها تحبه أو لشيء تميزت به بل لأنها جارته,
ارتبط بكل جيرانه و تفاصيلهم و ملابسهم و علاقاتهم ببعضهم,
كانت نافذته هي كل ما يهتم به و كانوا هم كل من عرفهم,
لكنهم يوما لم يهتموا بغرفته لأنه هو نفسه لم يهتم بها,
كان غاضبا و معه في ذلك كل الحق,
كان قد اتخذ منذ أيام قراره لكنه ظل تلك المدة يدير الأمر بذهنه,
وقف فجأة,
رفع الكرسي بيديه,
ضربه بكل قوة بجدار الغرفة,
ضربه مرارا,
تهشمت بعض أجزاء الكرسي و كان لشظايا الخشب وقع جميل في نفسه,
أحس أخيرا أنه حر,
ألقى ما تبقى من الكرسي من النافذة,
قرر أن لا جلوس و لا مراقبة بعد اليوم,
أغلق النافذه للأبد,
فتح باب الحجرة و انطلق يعدو بكل ما يقدر عليه من سرعة
لقد تأخر و أضاع سنين لكن
لا بأس................
تمت
...................
خ.ز
الصورة لمجلة ناشيونال جيوجرافيك
الشيعة بالعراق