كانت غرفة جانبية صغيرة في كواليس المسرح القديم,وقف الممثل ذو السن الكبير أمام غرفته الصغيرة و التي ظل يبدل فيها ملابسة كل ليلة بعد أن ينتهي العرض و الذي كان ينتهي كل مرة قبل أن يبدأ المشاهدون بالملل,فتح الباب الذي ظل يفتح كل ليلة في نفس التوقيت و لمدة عشرين سنة,دخل,أغلق الباب,خلع نفس المعطف الذي ظل يرتديه منذ سنين,نفس اللون الأحمر النبيذي,كل يوم,حتى أصبح جزءا منه,جلس على الكرسي المواجه للمرآة,تناول منشفة مبللة كان يحضرها كل يوم قبل العرض,بدأ ينزع عن وجهه المساحيق الكثيفة,و مع كل مساحة تخلو من المساحيق,كانت التجاعيد التي تغطي وجهه العجوز تظهر أمامه و تفرض نفسها فوق سطح المرآة الأملس,لطالما لاحظ:مع تقدم العمر كانت كمية المساحيق تزداد لأن مساحات التجاعيد كانت تزداد,بينما دوره في المسرحية لم يتغير,و لم يكبر,كان دوره في هذه المسرحية التي ظلت تعرض كل هذه المدة صغيرا,وغير مهم بالمرة,في رأي النقاد و الممثلين و العالم,فقط هو كان يحب هذا الدور,و كان يؤديه كل ليلة و كأنها المرة الأولى,بنفس الحماس الذي لم يمت يوما,وضع منشفته المبللة بينما ظلت المساحيق تغطي مساحات من وجهه,خلع الشعر المستعار ذا اللون الأسود,و تذكر معه أنه يوما ما عندما مثل الدور للمرة الأولى لم يكن يحتاج ذلك الشعر المستعار,كان شعره أسودا.
فتح الدرج العلوي من خزانة أمام المرآة,أخرج صورة قديمة تظهره شابا يبتسم في خجل في جانب الصورة,بينما تصدر الصورة أعضاء المسرحية الأصليين,كانت تلك الصورة قد التقطت قبل العرض الأول بساعات,كان الجميع متحمسين,و متخوفين,كان ذلك قبل أن يرحل من رحل و يموت من مات,و يتبدل الممثلون بينما تستمر الأدوار,فقط هو استمر يؤدي دوره الأول,تأمل الصورة قليلا بصمت حزين,ثم تعجب كيف مرت السنون و هو لم يترك دوره الصغير,لم يكن سوى كومبارس!.
استرخى في مقعده,أغمض عينيه لثوان قليلة,بدل ملابس التمثيل التي طالما ارتداها حتى أصبحت كجلده,حتى إنه كان يشعر أن ملابسه الأصلية هي ملابس التمثيل,وضع الصورة في الدرج مرة أخرى,فتح باب الغرفة,و تأملها مليا للمرة الأخيرة,و توقفت عيناه قليلا عند اللون النبيذي للمعطف,أغلق المصباح الكهربي,و أغلق الباب,خرج من المسرح و قد غزت قشعريرة مريرة جسده النحيل,عندما أصبح في الشارع البارد,وقف لحظات يتأمل المسرح القديم,تأمل البوسترات الجديدة لمسرحية أخرى لن يمثل فيها دور الكومبارس,كانت تلك المسرحية سيبدأ عرضها غدا,حيث كانت الليلة هي العرض الأخير لمسرحيته الأولى و الأخيرة.
دوى صوت التصفيق بغتة في رأسه,و معه تذكر السنوات الطويلة,وضع يديه في جيوبه,و أعطى ظهره للمسرح الصغير بينما وجهه كان نحو الحياة,حيث المسرح الكبير,بلا شعر مستعار و بلا مساحيق.
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment