Saturday 21 March 2009

مارس 21


استيقظت من غفوتها الوجيزة
على صوت ضجة غريبة عن مسمعيها رغم ضعف سمعها و خلوالمستشفى من أحد سواها هي و الممرضة,
بعد أن صلت الفجر و قرأت وردها اليومي من القرآن
توضأت و خفضت من صوت المذياع الذي تعودت الاستماع إليه قبل أن تأخذ غفوتها القصيرة كل يوم منذ أمد بعيد
بعيد إلى درجة تخونها معها ذاكرتها التي تداعت مع كر الأيام و فيضان الأحزان الذي امتلأت بها سنى عمرها السبعين,
صلت الضحى و قطعت ورقة من الروزنامة المعلقة لتكشف عن تاريخ يوم جديد,تاريخ أوقد شمعة في ذاكرتها
لم تدر لم امتلأت روحها ببريق تلك الشمعة؟,التي أنارت في ما أطفأته الأيام,
ربما قد نال من ذاكرتها ذلك المرض اللعين,
إنها لم تعد تذكر الكثير,
بل لم يعد بها فضول لمعرفة سر هذه الضجة ,
ربما هي ابنتها أتت لتطمئن كعادتها كل حين,
لكنها عجزت عن إيجاد تفسير مناسب لوميض النور الجميل
الذي رجع بها إلى أجمل سنين عمرها
عندما وقفت عينيها عند التاريخ,أخذها حنين مفاجيء أن تجلس فوق جانب السرير الوثير بعد أن فتحت شرفة الغرفة الكبيرة التي خصصت لها,
لم تدر لم لم تحتج اليوم إلى ممرضتها التي اعتادت أن تقوم على رعايتها خاصة و أنها تتعاطى من الأدوية و العقاقير الكثير,


جلست على جانب السرير و تطلعت بعينيها اللتان ترى بهما حزن من خبر الحياة و لكنهما تشيان بروح طفلة,هكذا كانوا يخبرونها منذ أمد بعيد
أن لها عينا الطفلة الصغيرة و مشيتها,
لم تتمالك إلا أن تفر من عينيها و شفتيها ابتسامة رضى أتبعتها بتنهيدة قصيرة,وهي تعدل من وضع الشال الصوفي فوق جسدها النحيل و تتناول ألبوم الصور الذي يعد كنزها و تعتبره نافذة على ذاكرتها المفقودة………
أول صورة:
كانت ترى شابة في زي عرسها تمسك بطريقة طفولية بذراع عروسها
توقفت عند هذه الصورة كثيرا و رغبت في أن تظل أمامها طوال اليوم لكنها اكتفت بدمعة حارة تساقطت فوق خدها ,
ألقت نظرة تجاه وجه زوجها ثم اختطفت الصورة من الألبوم ووضعتها بجانبها,
قلبت صفحات الألبوم و توقفت عند صور كثيرة,
كان هناك صور عديدة لم تعتقد يوما أنها كانت هناك طوال هذه المدة و لم ترها سوى اليوم,
رأت صورة لشابة شديدة الارتباك و يبدو على وجهها العبوس و الانزعاج كأن من التقط الصورة أخذها على حين غفلة,
لم تعجبها يوما الصور التي يضحك الجميع فيها و يرسمون الابتسامه كأنهم يخادعون أنفسهم أن ذكرياتهم كلها جميلة,
لذلك حرصت أن تكون صورها معبرة عن روحها فالصورة عندها هي تجميد للحظة و سرقة لها كي تظل معبرة عنك مع مرور الأيام,
لم تعتبر يوما أن كل ذكرياتها جميلة و تلك الحقيقة,
كانت الفتاة العابسة ممسكة بطفل رضيع يبكي بشدة و كانت عابسة كأنها تود لو ابتسم طفلها الجميل,
تذكرت تلك الفتاة التي عرفتها يوما في مرآتها,
لم تملك سوى ابتسامة أخرى و اصبعها الذي لامس الفتاة العابسة,
استمرت تقلب الصفحات و الأيام إلى أن استوقفتها صورة أخرى لنفس الشابة و إن بدت أقرب لامرأة منها إلى طفلة و كانت تحمل طفل آخر فوق ذراعها ووقفت هذه المرة بجانب زوجها الذي امسكت يده بيد طفل قصير لا ينظر باتجاه الكاميرا و كأنه-كأي طفل في العاشرة-يريد اللعب و الجري و لا يطيق لحظات يقضيها مع أبويه,كانت العائلة تقف أمام البحر,وضعت عويناتها لتقرأ ما كتب بخط منمق:
الاسكندرية-1979
قلبت الصفحات التي أخبرتها بتاريخ مر عليها و لم تعد تذكره,رأت أن ابناءها يكبرون و تذكرت مع صورة لها هي و ابنها و قرأت ما كتب تحت الصورة
أول يوم في المدرسة
استمرت في طي الصفحات التي رأت معها كيف أصبحت الشابة الطفلة امرأة ثم كيف أخذ منها الزمن ما أخذ و كيف استمرت عينيها معبرتان عن روحها,
وقفت عند صورة لابنها و هو في بلاد أخرى قد أرسل لها صورة له و هو يقف أمام معلم من معالم البلاد التي سافر إليها ليعمل,


صورة له في حفل زفافه و رأت نفسها و الدموع في عينيها كأنها تذكرته و هو يبكي يوم كان طفلا,
لم تملك من أمرها إلا دمعة أخرى تدحرجت في هدوء,
تذكرت كم آلمها فراقه و كم بكت و رجته أن يظل هنا في بلاده,
كم تتمنى أن تراه قبل أن يأتي اليوم الذي تفقد فيه نعمة الإبصار أو يأتيها اليقين,
رأت صورة لها أمام الكعبة المشرفة,رات صورة لابنتها يوم خطبتها و يوم زفافها,
قلبت الصفحات التي بدأت تتلون و بدأت تصبح أكثر و ضوحا,و بدأت تقترب من منها و هي في خريف عمرها,بعدما مرت خلال هذه الجولة القصيرة بكل الفصول و المواسم……..
كانت تلك الجولة بالإضافة إلى ثقل سمعها كفيلان بأن تنسى الضجة و الصخب بالخارج,
سمعت دقات على باب غرفتها فأذنت لمن يطرق أن يدخل,
فإذا بابنها يدخل عليها مبتسما و في يده باقة من الورود,
نظرت إليه و تأملته جيدا تأملت كل جسده الذي أصبح جسد رجل تام الرجولة,
احتضنته بشدة و قربته من جسدها الواهن كأنها خاف أن يرحل عنها,ابتسمت له و قبلت أبناءه الصغار ثم نظرت إليه مرة أخرى فهو ابنها الذي لا تمل منه
قال لها و هو يلثم جبهتها:
كل سنة و إنتي طيبة يا أعز أم!!!!!!!

2 comments:

نعكشة said...

ربما توقعت النهاية إلا أن جسد اقشعر لها حين تحققت أمامي

...................

أينعم سرحت شوية في وسط الاحداث

بس أنا من الناس دول اللي بيحبوا يمسكوا ألبوم الصور و يقلبوا
وي فتكروا

بس للأسف اللي اكتشفته
إن معظم الصور اللي عندي ليا و للناس على الكمبيوتر

يعني لما هيبقى عندي 70 سنة دةل و عشت لحد ما بقى عندي 70

مش هعرف امسكهم و اقلب فيهم و اعيط

عادي جداً .. بحب أعيط

..................

ممممممممممممم

بث كدهو

سلام عليك

إنسان said...

آه معاكب إن النهاية عبيطة شوية بس أنا كان نفسي ابنها يطلع ميت بسهتكون بايخة و دي أصلا كانت في عيد الاأم فحرام الناس تزعل

الكزمبيونر كويس برده لاحظي إن مستخدمي الكومبيوتر فليل فوي اللي لحقوا يكونوا زكريات فما بالك إنهم ينسوها

ابقي افتكريني هه؟

و عليك