Wednesday 18 March 2009

غرفة الأحلام-قصة


نظرت لسقف غرفتي الذي تساقط الجير الذي يغطيه ليظهر لون الإسمنت الرمادي
استدرت برأسي لليمين تجاه النافذة التي أغلقتها منذ سنين كي لا أرى نور الشمس
لمحت صرصورا يجاهد كي لا يسقط
كي يستمر….
و حسدته على حياته
التي هي أفضل مما أنا فيه!!!!!
حياة بائسة تمر فيها الدقائق ثقيلة كقطيع من الفيلة….
المشكلة أنك لا تفعل لتغير ما أنت فيه….
ليست لديك رغبة فعلية و ليست لديك عزيمة قرد…..
تجلس أحيانا وحدك في شقتك الضيقة ذات الغرف الثلاث التي تشترك في واحدة منهم و تترك الأخرتين ليحتل إحداهما مسعف في المشفى القريب و الأخرى مدرس لغة عربية قصته تشبه قصتك لأبعد الحدود..
لقد تخرج و كان أمامه مستقبل باهر و حياة كاملة ليعيشها….
كان قد امتلك كل شيء ما دام قد امتلك الوقت و القوة


….


لكنكما بكل ما في أدمغتكم من إصرار قررتم أن تفسدا كل شيء
اتخذ مكانه في تلك الغرفة الحقيرة و التي لا يميزها سوى قربها الشديد من مكان عملة و التي يعيبها كل شيء آخر….
لقد كان يظنها فترة من حياته و سيتخطاها يوما…
كأنها فترة من الألم تسبق الولادة…
ولادة حلم و حياة جديدة….
ربما ظن أنه يوما ما…
سيذكر أيام العناء هذه و يضحك عليها ملء قلبه….
المشكلة أنه الآن قارب الأربعين و بدأت أقرأفي عينيه نظرة أراها كل يوم…..
أنا كذلك ظننت ذلك في البداية…
كانت لدي أحلام كانت لدي طموحات و رؤا وردية لمستقبلي…..
كان بإمكاني أنا أ:ون الأفضل في عملي و لم أكن وحدي من يظن ذلك بل إن كل رفاقي كان شبه متأكد من ذلك
كانت لدي فتاة أحلم بأن أكون فارسها….
كانت في رأسي تفاصيل صغيرة لحياة جميلة…
لقد حلمت بكل شيء…..
لون الورود التي سأضعها في غرفة المعيشة….
سيارتي الجديدة و التي لن تضاهيها سيارة….
التابلوهات التي سوف أعلقها على الحوائط,لون الحوائط الهاديء….
لقد خططت لكل إنش في شقتي الرائعة,و التي لم أحصل عليها حتى الآن
أسماء أبنائي فكرت فيها,عددهم,أشكالهم,
كثيرا ما وقفت أمام محل ملابس للأطفال و عندما يسألني رفاقي:
كان ردي هو أنني أختار ملابس لأطفالي !!!!
كانت تنتظرني حياة صاخبة كسيمفونية بيتهوفن الخامسة…
لقد كتبت كل لحن فيها…
كل نوتة مسبقة…..

خططت لكل شيء إلا لأهم شيء….العازفين!!!!!
كل ما كنت أفعله في العشر سنوات الأخيرة هو التفكير و بناء أحلام من رمال
بناء قلاع من رمال….
إن الحياة هي ما يحدث لك و أنت تخطط لحياتك!!!!!
إن الحياة طالما حاولت أن تخبرني و تحدثني أن ما فعلته كان خاطئا..
كل تفصيلة كانت مليئة بالثغرات لكني لم أر و لم أركز….
تلك الفتاة لم تكن لي,و كان ذلك واضحا حتى لمن حرم نعمة الإبصار,,لكني أصررت..
و كأنني أتحدى بذلك نفسي…..
كأنني أراهن نفسي أنني أنا المخطيء فلو كنت كذلك فانا الرابح!!!
قرأت مرة عن توماس فريدمان:لا غداء مجاني بعد اليوم
لكنني لم أفهم هذه الجملة البسيطة….
كل ما كان علي فعله هو أن أركز أكثر في حياتي التي مضت….
مضت كالسيجارة الأخيرة
التي تنتهي دون أن تشعر..
و تسائل نفسك لحظتها لم لم تستمتع بكل نفس في العلبة؟؟؟؟لم انتظرت السيجارة الأخيرة لأشعر بالندم؟؟؟؟

على كل أنا لست هنا لأندم كل ما فات قد فات و يبدو أنه علمني شيء جديدا:
لا فائدة من الحلم و التخطيط…
كل ما يهم هو اللحظة
هو الهدف الحالي…..
ربما تأخرت خمسة عشر عاما لأفهم ذلك..
لكنني فهمت
و للأسف فهمته خطأ
كفريق كرة اكتشف فجأة و في الوقت الإضافي
أنه لا توجد كرة منذ بداية المباراة
أنهم فقط يعدون و يعدون بلا مبرر,
المشكلة أن الكرة ظهرت في حياتي….
لكنها متأخرة جدا….
ظهرت في صورة أخرى غير فتاة أحلامي و مهنتي المرموقة و سيارتي
إنها البودرة!!!!!
و لا شيء سوى البودرة
هذا المخدر الجميل
هو كل شيء في حياتي منذ أمد بعيد…
يأخذني إلى أحلامي حيث كل شيء أحبه…
حيث كل ما رغبت يوما أن أكونه…..
ربما ذلك المدرس الذي يسكن بجواري أيضا يستخدم المخدر…..
و إن لم يتعاطاه فعليا فإنه قرر أن يخدر روحه بلا مخدر….
كل ما أراه أسمعه أتذوقه بدأ بالتلاشي….
كل شيء أصبح بطعم لون رائحة العقار الجميل…..
هروين!!!!
وقفت وسط غرفتي القذرة و التي تناثرت في كل جزء منها المحاقن الفارغة,و أعقاب السجائر,و زجاجات البيرة و الليمون العطن الذي امتزجت رائحته برائحة التبغ و الكحول لتصنع رائحة ليست بالسوء الذي تظنه…أزحت الباب الذي يفصلني عن العالم القاسي…..

اتجهت للمطبخ شديد القذارة و المزود بشرفة صغيرةو الذي يخلو من لمبة
لسبب و جيه أن كل قاطني الشقة لا يأمنون الآخرين و ليس لديه استعداد لشراء لمبة حتى لا يأخذها الآخرين!!!
التقطت المطرقة و الإزميل الذي كنت قد أحضرته منذ يومين….
توجهت ناحية غرفة المدرس و التي لا يملك سواها…..
و التي قضيت أسبوعا أخطط في أسهل الطرق لسرقتها…..
و تحويل كنوزها إلى هروين….
طرقت على الإزميل لأكسر القفل الرخيص…
ثلاث طرقات و انهارت كل مقاومته الهزيلة….
كان الوقت في العاشرة….
المسعف الشاب يخرج في السابعة
جدول حياة الأستاذ أحفظه عن ظهر قلب
يخرج في السابعة ثم لا يعود مطلقا إلا بعد انتهاء اليوم الدراسي
لو كانت لديه أوقات بلا حصص
يقضيها في قراءة الصحف و تناول الإفطار بالمقهى القريب
كلهم يكرهون الشقة القذرة و لا أحد يرغب في العودة إلا للنوم..
حتى لا يلاحظ مدى ما وصلت إليه حياته من حطام….
في اللحظة التي كسر بها القفل..
انفتح الباب….
لكنه باب الشقة!!!!!
و هو في مواجهة باب المدرس!!!
تجمدت في مكاني
لم أدر ما أفعل
كأن العالم للمرة الألف قرر الوقوف ضدي و ضد أحلامي
دخل البواب الصعيدي الذي تسري إشاعات أنه سيترك العمارة قريبا لسبب و جيه:أنه قد انتهى من بناء عمارة و لا يصح لمن يمتلك عمارة كاملة أن يحرس أخرى!!!!
كل الناس يحولون أحلامهم إلى حقائق إلا أنا!!!!
دخل البواب و بدأ يضحك حتى أحسست أنه جن تماما أو أنني أرتدي ملابس مضحكة أو أن شكلي الدميم قد يضحك أحدا…..
كان إصبعه يشير باتجاه الغرفة التي كسرت بابها لتوي,
نظرت إلى الغرفة
و فهمت كل شيء……
لقد رحل المدرس بغير رجعة…..
و ترك الغرفة خالية…..
تماما

انطلق للغد حيث أحلامه!!!!!

No comments: